البدايات الحقيقية للفكر الصهيوني كانت في إنجلترا في القرن السابع عشر في بعض الأوساط البروتستانتية المتطرفة التي نادت بالعقيدة الاسترجاعية التي تعني ضرورة عودة اليهود إلى فلسطين شرطا لتحقيق الخلاص وعودة المسيح لكن ما حصل هو أن الأوساط الاستعمارية العلمانية في إنجلترا تبنت هذه الأطروحات وعلمنتها ثم بلورتها بشكل كامل في منتصف القرن التاسع عشر على يد مفكرين غير يهود بل معادين لليهود واليهودية الناتج هو أن الفكر الصهيوني ليس نتاجا للتراث الديني اليهودي ولا نتاجا لحركة ثقافية يهودية.
بل هو نتاج مباشر للفكر الاستعماري الغربي إذن الصهيونية والعالم الغربي يرون اليهود باعتبارهم مادة نافعة وعنصرا وظيفيا يمكن توظيفه في خدمة العالم الغربي. ففي أواخر القرن التاسع عشر لم يكن ثمة فكر صهيوني بين اليهود لكن بدأت فكرة نقل اليهود إلى فلسطين عندما لاحظ هرتزل اليهود الموجودين في أوروبا الشرقية حيث كان اليهود يتعرضون لاضطهادات منظمة فوجد أن الحل الوحيد هو التخلص منهم عن طريق تحويل سير الهجرة إلى خارج أوروبا.
كلمة "صهيوني" مشتقة من الكلمة "صهيون" وهي أحد ألقاب جبل صهيون (الذي يسمى ب"جبل داود" عند المسلمين المقدسيين) والذي يعتبر الأقرب إلى مكان بناء هيكل سليمان في القدس كما هو مذكور في الصحائف التي يؤمن بها اليهود وبعض المسيحيون. الصهيونية اصطلاحاً عبارة عن فكر وحركة سياسية هدفها توحيد اليهود في الشتات وإسكانهم في فلسطين بعد حرب وتهجير الشعب الفلسطيني. توجت جهودها بإقامة دولة لليهود تسمى دولة إسرائيل عام 1948.
أول من استخدم مصطلح الصهيونية هو ناثان برنباوم الفيلسوف اليهودي النمساوي عام 1890. تم عقد أول مؤتمر صهيوني في مدينة بازل في سويسرا ليتم تطبيق الصهيونية بشكل عملي على فلسطين فعملت على تسهيل الهجرة اليهودية ودعم المشاريع الاقتصادية اليهودية. في عام 1896 قام الصحفي اليهودي المجري ثيودور هرتزل بنشر كتاب دولة اليهود وفيه طرح أسباب معاداة السامية وكيفية علاجها وهو في رأيه إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين لما تتمتع به من مكانة دينية واستراتيجية واقتصادية (على حساب قتل واعتقال وتهجير وتشريد الشعب الفلسطيني)، واتصل بإمبراطور ألمانيا فيلهلم الثاني فنجح في الحصول على دعمه، كما اتصل بالسلطان عبد الحميد الثاني ولكن محاولته باءت بالفشل وحتى طلب المال من قبل الأغنياء اليهود باء بالفشل.
في عام 1897 نظم هرتزل أول مؤتمر صهيوني في بازل في سويسرا حضره 200 مفوض، وصاغوا برنامج بازل والذي بقي البرنامج السياسي للحركة الصهيونية، وعرّف البرنامج هدف الصهيونية بإقامة وطن للشعب اليهودي بالقانون العام ظاهرياً، وأقام المؤتمر الصهيوني العالمي اللجنة الدائمة وفوضها بأن تنشئ فروعاً لها في مختلف أنحاء العالم.
وعندما فشل هرتزل في دبلوماسيته مع السلطان العثماني وجه جهوده الدبلوماسية نحو بريطانيا ولكنها قدمت دعمها المالي لإقامة مستعمرة في شرق أفريقيا (أوغندا) فانشقت الحركة الصهيونية بين معارض ومؤيد، فاتهم الصهاينة الروس هرتزل بالخيانة ولكنه استطاع أن يسوي الأمر معهم إلا أنه مات.
وعندما عقد المؤتمر السابع عام 1905 رُفِضَت أوغندا، وشكل ارائل لانغول المنظمة الإقليمية اليهودية وكانت ذات صلاحية اختيار موطن مناسب للشعب اليهودي. استطاعت الحركة الصهيونية أن تحقق أهم إنجازين لها وهما وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين عام 1917، والثاني هو إقامة كيان لليهود سمي دولة إسرائيل عام 1948، وذلك على أرض فلسطين وذلك عن طريق القتل والتهجير والمذابح لإبعاد الفلسطينيين عن أرضهم بالقوة. تشكلت الصهيونية كآيديولوجيا وكحركة سياسية أتت متساوية مع نمو الآيديولوجيا القومية في أوروبا، ولكن الأهم مع نمو اهتمام المركز الإمبريالي بإيجاد كيانات مصطنعة في مراكز مستعمراته لضمان هيمنتها، وسيكون من الأمور الخلافية تأريخ أولوية عرض بعض المثقفين اليهود لدور مختلف لليهود بعد تراجع دورهم الوظيفي كوسطاء ماليين أثناء العصر الإقطاعي بتحويل أوروبا للرأسمالية وتشكيل برجوازية مالية أوربية متحررة من القيود الدينية المسيحية التي كانت تحرم الربا وتلخص هذا الدور بأن يكونوا حماة المصالح الإمبريالية أنى ارتأت هذه الإمبريالية، فطرحت الأرجنتين وغيرها قبل أن يستقر الرأي على فلسطين، وفي المقابل هناك من يؤرخ لأولوية الطرح البريطاني على المثقفين اليهود باختيار أرض فلسطين لما تتمتع به من مزايا قيمة من الناحية الدينية والاستراتيجة والاقتصادية، وتجاوب هؤلاء معهم ولكن في كلتا الحالتين يمكن القول أن الطرفين تقابلت مصلحتهم. وكانت الخطوة التالية محاولة إقناع المواطنين الأوربيين اليهود بالتخلي عن أوطانهم للهجرة إلى أرض لا يربطهم شيءبها.